كتاب سرد الذات للصف 12 الفصل الأول 2021-2022
محتوى الموضوع
هدا الملف ل الصف 12 عام لمادة اجتماعيات ثاني عشر الفصل الاول
كتاب سرد الذات للصف 12 الفصل الأول 2021-2022
بيت عمي المهجور
كان السياج الفاصل بين بيت عمي المهجور وبيتنا قد سقط على الأرض، ولم يكن صالحا لإعادته، فأمر والدي بإزالته. وبعد عدة سنوات تقرر فتح بابا للغرفة الرئيسية في البيت المهجور من ناحية بيتنا، وإغلاق الباب الرئيسي المطل على البيت المهجور. وأسكنوا المدعوة: جميعة، مربية شقيقتي ناعمة، في ذلك المخزن. أما الغرفة الثانية الملحقة فقد استعملت مخزنا لأعلاف الأبقار والأغنام. وكان اندينغي” مولى والدي، وهو رجل طويل القامة من أصل إفريقي، كثيرا ما كان يحملني على كتفيه، هو المسؤول عن تلك الأعلاف. مرضت جميعة، ولم يجدوا لها علاجا، فماتت في ذلك المخزن. أما إندينغي، فقد ذهبت أبحث عنه فوجدته ميتا على كومة من الحشائش
التي تقدم للحيوانات، في الغرفة الثانية الملحقة.
في تلك الفترة قام عبد بن خصيف المرافق العسكري لوالدي، بعد أن تزوج امرأة تدعى مريم، وبنى لها بيتا من سعف النخيل في الساحة الأمامية للبوابة الشرقية لبيتنا، وألصق سور بيته بسور البيت المهجور،
– عمي الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، ناحية المرحاض، حيث يسكن الجني، كما كنا نتخيل.. وإذا بتلك المرأة الهادئة التي لم نسمع لها صوتا منذ أن أقامت في ذلك البيت، تتحول إلى ما يشبه الشيطان، الشعر المكشوف منكوش، والعينان زائغتان، وصراخها يعلو، والزبد يخرج من فمها
من خلاله القوافل في الغدو والرواح محملة بالبضائع لمن باع وابتاع .
هذا رجل يسوقه عسكري يحمل بندقية ويدفعه إلى الأمام عندما يحرن في مشيته، مساقا إلى الحصن، وذاك عائد منه مطأطئا لا تسمع منه إلا النشيج. وهذا رجل يتبختر في مشيته، وقد هندم هيئته، مشغول الفكر، ينمق الكلمات التي سيلقيها على الشيخ، فإذا عاد تعلوه الابتسامة فقد أجزل له في العطاء، أما إذا كان مبرطما فقد عاد خائب الرجاء، ونحن نرقب كل ذلك صباحا ومساء.
حصن الشارقة مبنى مربع الشكل له أربعة أركان مهمة، أولها”الغرفة”، وهي أحد أركان الحصن، حيث تستعمل كمجلس للخاصة، وهي في الجنوب الشرقي من الحصن. يليها “المشرف”، وهو برج مربع يطل على الجنوب الغربي من الحصن، ويستعمل للحراسة. وإلى الشمال الغربي يوجد “الكبس”، وهو برج دائري، ويستعمل للحراسة أيضا. أما “المحلوسة” فكانت برجا ضخما، وهي اسم على مسمى، حيث كانت غريبة في بنائها، يستعمل الجزء العلوي منها للحراسة، أما الجزء السفلي فكان سجنا مرعبا..أما واجهة الحصن فتطل على ساحة الحصن، حيث تشاهد بوابة الحصن الضخمة المزينة برؤوس المسامير على هيئة كرات برونزية متلألئة. بين تلك البوابة والمحلوسة، وضع في مكان ظلها عصرا كرسي خشبي كبير له مساند خشبية كذلك، ويصعد إليه بدرجات من الخشب في جهتين منه.ومدفع كبير على عجلات من خشب،. “الرقاص”، وأخر أصغر منه على عجلات كذلك. أما إلى اليسار من البوابة فهناك سجن التوقيف، له شباك يطل على الساحة، يستطيع السجين أن يتحدث منه إلى أقربائه. وبين السقف والشباك فتحة صغيرة للتهوية. أما با ذلك السجن فينفتح في الصالة الداخلية التابعة للبوابة، يقال لها “الإصباح”، حيث الحراسة مشددة. كان في سجن التوقيف أحد المتهمين، وكان ذا سوابق في السرقة، فقطعت يده اليمنى في سرقا سابقة، وإذا به يقوم ليلا بسرقة مدفع برونزي صغير، يصعب على شخص بيد واحدة وذاك الجسم الضئيل أن يحمل ذاك المدفع ويخرج به من فتحة التهوية العلوية، ويهرب من السجن. فتتبعوه، فوجدوه مختفيا في كومة من الحشائش، وهو يحتضن المدفع.
يلي ذاك السجن مخزن التموين، والذي يديره أحد موالي الشيخ، ويدعى ابن كلبان، يوزع الكيروسين والفحم وبعض الأطعمة على بيوت العائلة المالكة. ويليه مرأب السيارات، والذي كان يفتح بابه في إسطبلات الخيول.
فوق تلك الأماكن الغرفة التي يجلس فيها الشيخ، وأمامها السطح المكشوف، يليه “الساباط” المسقوف، وكلها تطل على الساحة الأمامية للحصن، حتى إذا ما حل المساء وتجمع إخوة الشيخ سلطان مع أبنائهم لتناول طعام العشاء، أخذ القوم يحتشدون أمام حصن الشارقة، زرافات ووحدانا؛ ليستمعوا لنشرة أخبار الحر، وكانت في أواخرها سنة 1945، فكان صوت المذياع (الراديو) يأتيهم من إحدى نوافذ الغرفة بالطابق العلوي للحصن.
هؤلاء القوم نصفهم كان مؤيدا للحلفاء والنصف الأخر كان مؤيدا للمحور، فكانت الأخبار من الإذاعة الألمانية بصوت المذيع العراقي سليط اللسان، يونس بحري، تغضب مؤيدي الحلفاء.. وكذلك الأخبار الأتية من هيئة الإذاعة البريطانية لخدمة الشرق الأوسط، بصوت المذيع الشامي منير شما، تغضب مؤيدي المحور. ومن النوافذ المطلة على الساحة الأمامية للحصن نشاهد الشجار بين الفريقين.
أما بقية الأماكن في الحصن، ففي الجزء الجنوبي كانت تسكن والدة الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، أما الجزء الشمالي فقد كان مخصصا لسكنى الشيخ صقر بن سلطان القاسمي وزوجته وأولاده. أمام واجهة الحصن مبنى كبير، نصفه مبني بالكامل، وبه نوافذ، والنصف الآخر عبارة عن سقيفة. يقال لذلك المبنى “الساباط”، تنزل به أعداد كبيرة من البدو ضيوفا على الشيخ. وإلى الجهة الشمالية من الساباط بئر للاغتسال، أما الجهة الجنوبية منه فكانت مناخا للإبل. بين الحصن والساباط غرزت سارية غليظة، طرفها العلوي متفحم، يربط الخارجون على القانون من سراق ومجرمين عليها، يقال لها “حطبة التوبة” . عندما كان يربط السارق أو المجرم على السارية، نتحلق نحن الصبية حول السارية، حينما يجلد السارق والمجرم، ويحدث الجدل بيننا حول الجزء المتفحم من السارية، وقد قال بعض الصبية: “تشعل النار في هذا الجزء العلوي من السارية، وتأخذ بالاشتعال إلى أسفل ناحية السارق . فإذا أحس باقتراب النار إليه اعترف مباشرة”.
قلت لهم: “نحن يوميا كنا نشاهد هذه العقوبات، ولم نشاهد نارا أشعلت، وهذا الجزء المتفحم موجود منذ أن وعينا”.
سألت والدي عن ذاك الجزء المتفحم من السارية. فروى لي الحكاية التالية: يقول والدي: “في عهد والدي الشيخ صقر بن خالد القائد حاكم الشارقة، كان هناك رجل أدكن أعمى، يقال له “باسيدوه”
يسكن في حارة أل علي في الشارقة. في يوم عاصف بريح يقال لها “السهيلي”، وهي جنوبية، خرج باسيدوه فيه يستدل على طريقه بعكازه إلى سوق السمك، ليسترزق سمكا من الصيادين، حتى إذا ما رجع إلى خيمته المتهالكة بسعفها وخيشها، وأوقد النار ليشوي أسماكه في خيمته اشتعلت الخيمة نارا، فاحترق باسيدوه ومات محترقا.
النار لم تكتف بباسيدوه وخيمته، بل طالت بيوت السعف وأرسلت إلى الغرب منها لهبا، يتراقص على البيوت المشتعلة، ثم يتناول عنان السماء ليلفظ إليها ما خف وزنه، بعد أن لاكت النار وابتلعت تلك البيوت، وخلفت غنما وأبقارا متفحمة في مرابطها. كانت تلك المواد المتطايرة، منها المتفحم والمشتعل، تنقلها الرياح الشديدة ناحية خور الشارقة، حيث كان هناك بالقرب من الشاطىء، سفينة للغوص لاستخراج اللؤلؤ، تسمى ” غالب”، مالكها
ابن مذكور، فالتصقت قطعة مشتعلة من التي تقذفها الرياح بقمة سارية السفينة، وإذا بالنار تقضم تلك السارية من قمتها متجهة إلى الأسفل، حتى إذا ما وصلت النار إلى ارتفاع قامة أو تزيد من ظهر السفينة، شوهد الشيخ صقر بن خالد القاسمي، حاكم الشارقة، قادما على حصانه من جهة طريق “السيف”، فأمر أن تقطع الحبال التي تثبت السارية في السفينة، ويرمى الجزء المتبقي من السارية في البحر لتنطفئ النار بماء البحر. ثم أمر أن ينقل الجزء المتبقي من السارية إلى أمام الحصن ليغرز بالأرض هناك، ليربط بها السارقون والمجرمون، وقد عرفت بحطبة التوبة”.