قصة الرجال والمتاهة عربي الصف 11 الفصل 3

قصة الرجال والمتاهة عربي الصف 11 الفصل الثالث 

مقدمة

قد تكون الرواية هي النص الوحيد القادر على اكتناز صور من الحياة من دون أن تضطر إلى الاختزال والتكثيف. إن عالم الرواية الممتد الفسيح يسمح للقارئ بأن يلج في أعماقه وأن يحيا تفاصيله وأن يشعر بها فتصبح جزءا من تفكيره وهواجسه، ويغدو هو شخصية من شخصياتها، شخصية صامتة موجودة
في الظل، ولكنها موجودة حقا في عالم الرواية، تسمع وترى وتحس، وتتألم وتحزن وتغضب، وتشارك الشخصيات الأخرى تجاربها وأفكارها وتتفاعل معها تفاعلا حقيقيا يشبه التفاعل الذي يختبره القارئ في حياته اليومية مع الناس الذين يعرفهم ويعيش بينهم

وتختلف قراءة الرواية، أو القصة، عن قراءة أي شيء آخر، فالرواية تتطلب من القارئ أن يضيئها بأسئلته وأفكاره، وأن يضيف إليها من خبرته ورؤاه الخاصة، وكثيرا ما تتضمن إشارات تصاغ بذكاء توحي للقارئ بالفكرة، لكنها تتركه دائما يعالج إحساسا داخليا بعدم الراحة إلى جواب نهائي قاطع. يقول (ميلان كونديرا): “إنني أؤمن بأن الرواية قادرة على الإفصاح عن شيء لا يمكن الإفصاح عنه عبر أي طريقة أخرى غيرها. لكن من الصعوبة بمكان تحديد ما هوهذا الشيء المعين . وتقول (أنجيلا کارتر): « إن جزءا من موضوع الرواية يتمثل في أنك تبقى من غير وثوق. يبقى القارئ غير متأكد بنسبة أو بأخرى وإلى مدى طويل». وهنا بالضبط تكمن متعة القراءة، وتتجلى فرادة النص الذي يشد القارئ دائما ويطالبه بالتفكير والتأمل والغوص عميقا في عالمه الذي يوصله من دون أن يشعر إلى الغوص عميقا في الحياة والواقع

وتعد رواية «رجال في الشمس» للكاتب غسان كنفاني من أهم الروايات العربية التي كتبت في الستينات من القرن الماضي، وقد اكتسبت، مع السنين، مكانة أدبية وتاريخية جعلها توضع دائما في قائمة أفضل الروايات العربية، لخصوصية الموضوع الذي تتحدث عنه، ولمستواها الفني والأدبي الرفيع. وقد جاء هذا الكتاب المركز ليقدم للقارئ العربي إضاءات تساعده على قراءة الرواية والتفاعل معها وفهم فكرتها، وتحليل عناصرها الفنية تحليلا يمكنه من الغوص عميقا في عالمها وتأمل أحداثها وشخصياتها والأفكار التي تطرحها من دون أن تصرح بها

• للروائي مجموعة قصص قصيرة اسمها «موت سرير رقم ۱۲، فيها بعض القصص التي ترمز إلى عدم جدوى البحث عن المنفعة الفردية والمصلحة الشخصية على حساب المبدأ والمصلحة الجمعية ارجع إلى مجلد القصة القصيرة لغسان كنفاني واقرأ قصة مؤثرة عنوانها: «لؤلؤ على الطريق، وحاول أن تجد علاقة واضحة بين الفكرة المركزية في رواية «رجال في الشمس، والفكرة في هذه القصة القصيرة التي سبقت كتابة الرواية بسنوات. وحاول أن تجد شبها بین مصير الشخصيات في الرواية ومصير شخصية سعد الدين بطل القصة القصيرة.

والآن، عزيزي القارئ، هل أدركت السبب الذي جعل الشخصيات الثلاث يخسرون في رحلتهم في طلب المال والوظيفة أو العمل؟ لماذا لم يكن حظهم حسنا في مغامرتهم ولم يحصلوا على أدنى ما يمكن أن يحصل عليه بعض المغامرين على الرغم من أن بعض المغتربين يحصلون على المال الوفير وشيء من الاستقرار.

إن الكاتب يملك الحرية في أن يختار موقفه ورؤيته على شرط أن تكون حركة الأحداث طبيعية، والنهاية | ممكنة. وهذا ما يؤكد البعد الرمزي لبناء الرواية، إن الرواية على نحو غير مباشر تعبر عن وجهة كثير من الناس. هؤلاء الناس الذين يرون أن الحل ليس في قيام كل فرد بحل مشكلته الخاصة؛ فلا يوجد تناقض بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية؛ فالمصلحة العامة تكمن في الحصول على الوطن السليب بالعودة ، ولا يهنأ الفرد مهما يحصل على رزق وفير من دون وطن. فخيبة الرجال الثلاثة رمز لخيبة الباحثين عن حل فردي، هو في النهاية وهم وليس حلا أبدا. والرواية ترمز، كذلك، إلى القائد الفلسطيني الفاشل الذي أخطأ الهدف وباع ماضيه النضالي بوظيفة مخزية هي التهريب لقاء مال يتوهم أنه يحل به مشكلته الشخصية، ولكن هذا الحل محض سراب حيث سيضيع المال يوما ويظل الوطن ضائعا سلبيا

للكاتب غسان كنفاني رواية كتبها بعد هذه الرواية عنوانها ما تبقى لكم، ونشرها عام 1966 تتفق مع رؤية هذه الرواية، ولكن مصير الشخصية الرئيسية فيها يواجه عدوه الذي اغتصب أرضه وسبب مأساته، إذ وجد نفسه أمام عدوه وجها لوجه. بين الفرق في النهاية على الرغم من الاتفاق في الفكرة

أولا : السرد 

من مهمات السرد تطوير الأحداث، ونمو الحبكة، ورسم الشخصيات وتطور هذا الرسم بتطور الأحداث. وللسرد أساليب متعددة، من أهمها: .

١- السرد بضمير الغائب، أو ما يسمى بالراوي العليم أو العارف بكل شيء، وهو الراوي الذي يحضر بكثرة في الروايات التقليدية ويسمونه أحيانا الأسلوب الملحمي. اقرأ النص الآتي في بداية الرواية: 

أراح أبو قيس صدره فوق التراب الندي، فبدأت الأرض تخفق من تحته: ضربات قلب متعب تطوف في ذرات الرمل مرتجة ثم تعبر إلى خلاياه. وفي كل مرة يرمي بصدره فوق التراب يحس ذلك الوجيب كأنما قلب الأرض ما زال – منذ أن استلقى هناك أول مرة – يشق طريقا قاسيا إلى النور قادما من أعمق أعماق الجحيم،”) 

لا شك أنك تلاحظ ، عزيزي الدارس، أن الراوي الذي يسرد الأحداث ويعرفنا بالشخصية هو راو بضمير الغائب، لا يعرف كل شيء عن (أبو قيس) فقط، ماضيه وحاضره ومستقبله، وعن علاقاته الأسرية والاجتماعية والاقتصادية وكل ما يتصل به، ولكنه يعرف كل شيء عن الشخصيات التي تعمر الرواية، وعن الأحداث وما يتصل بها من أزمنة وأمكنة وأفكار وتصورات وتحليلات. 

وإذا تأملنا رواية «رجال في الشمس، نجد أن الرواية استخدمت هذا الأسلوب. حاول أن تتأكد من صحة هذا القول بالنظر في بدايات ثلاثة فصول، وضع في كراستك مقتطفات تؤكد صحة رأيك من بداية كل فصل 

٢. السرد بضمير المتكلم أو ما يسمى بأسلوب السيرة الذاتية، وهو عادة ما يجعل الشخصيات
نفسها تتحدث عن نفسها وعن الشخصيات الأخرى أحيانا، فنتعرف في هذا الأسلوب أفكار الشخصية ومشاعرها وقلقها وهمومها، ويتيح لنا هذا الأسلوب أن نغوص في أعماق الشخصية ونكتشف ما لا يستطيع الراوي العليم أن يعرفه عن الشخصية، ولاسيما قدرتها على البوح وكشف ما لا يستطيع أحد أن يعرفه غير الشخصية ذاتها، ولعل هذا الأسلوب يجعل العلاقة حميمية بين الشخصية والقارئ حاول أن تقرأ في رواية «السفينة، للكاتب جبرا إبراهيم جبرا مقدمة أحد فصول روايته، وحاول أن تسجل في کراستك فقرتين من بداية هذا الفصل، وقارن بين
أسلوب السرد في هذه الرواية وأسلوب السرد في رواية «رجال في الشمس». 

٣. وثمة أساليب أخرى للسرد تبدو في أشكال مختلفة من مثل الرسائل والتقارير والمذكرات

إنها التيه الذي لا نجاة منه، والذين يسلكون الصحراء لا يتوقع لهم النجاة، بل الموت المحقق، إن رمز الصحراء التي سلكها الثلاثة مع قائدهم الذي يرمز إلى الفشل يصب في فكرة الرواية، وهي أن الحل الفردي دمار على مستوى الفرد والجماعة ، فالصحراء هنا رمز التيه والضياع والموت، ولكنها ليست بالضرورة رمزا للضياع في السياقات كلها في مواضع أخرى؛ فقد ترمز الصحراء أحيانا للحرية وترمز للمجد وترمز للأصل العربي وقد ترمز لظهور الإسلام العظيم، وقد ترمز لثروة النفط العربية، ولكنها في هذا السياق الخاص للباحثين عن الحل الفردي بعيدا عن حمل قضيتهم والدفاع عنها والوقوف في وجه الغاصبين تصبح رمزا للتيه والضياع وغياب
الهدف الحقيقي وفقدان البوصلة التي تقود للطريق الصحيح 

لهذه الأماكن وظيفة جمالية، تجعل حضورا للبعد الواقعي، وتحقق للقارئ متعة تعرف أماكن واقعية، سواء أكانت من تخيل الروائي، أم كانت من الواقع الحقيقي، ولكن هذا لا يكفي في توظيف الأماكن والمواقع الجغرافية: فالأماكن لها وظيفة في بناء الرواية كله، وفي فكرتها الروائية كلها، وعلى الروائي أن يقنع القارئ بأن الأماكن توسع أفقه وتوضح له مجال الفكرة، وتزيد معرفته بالشخصيات وأفكارها وردود أفعالها.

لماذا اختار الروائي هذه الأماكن المختلفة في فلسطين والأردن والعراق والكويت؟ 

– قد يكون ذلك لارتباطها بحركة الأحداث التي تتجه حسب الترتيب الزمني من الغرب إلى الشرق.

– وقد تكون هذه الأماكن مرتبطة باستضافة اللاجئين الفلسطينيين. 

– وقد ترتبط بعلاقة الأخوة والنصرة التي وفرتها هذه البلاد.

– وقد ترتبط أيضا بمفهوم الوحدة العربية التي يطمح إليها العرب جميعا. 

– وقد ترتبط بالعلاقات المتشابكة بين الدول العربية التي تصدر العمالة والدول العربية الغنية التي تستقبل هذه العمالة وتوظفها

هذه الأماكن، كما ترى، لا تقتصر على البعد الجغرافي، ولكنها ترتبط بأبعاد اجتماعية وسياسية وحضارية، تنطلق من القضية العربية المركزية، قضية فلسطين، وتتصل بظروف الفلسطينيين بعد أن هجروا من ديارهم، واقتلعوا قسرا وظلما وعدوانا، فعانوا اقتصاديا واجتماعيا، فتداخلت همومهم وآلامهم ومصالحهم مع هموم إخوانهم العرب وآلامهم ومصالحهم. وارتبط المكان بالبعد السياسي الذي لا يرى حل المشكلة الرئيسية في أرض عربية أخرى.